فوضى القلب




عندما يكون قلبك في حالة من الفوضى ... كثيرا ما كنت أحدث نفسي: "من أنت لتعطي نصائح حياتية؟ ... من أنت حتى تصنفي نفسك كامرأة حكيمة؟ " دائما ما أعاني من إحساس "عدم الأهلية" هذا خاصة عندما أشعر بحالة من الفوضى تعتري حياتي وتؤرق قلبي.

انها فوضى القلب هي ما يجعلني أشعر بالحزن من وقت لآخر ... طقس بائس وسماء معتمة ملبدة بالغيوم ... آثار جانبية لدواء قد يضر أكثر من أن يعالج ... قلب فارغ كقلب أم موسى فقد حبيب من أحباءه ... واحساس بالغرابة يبدأ سلسلة من الأحاسيس المزعجة المتضاربة التي ربما تدفعني لاشتهاء السكر ساعة واشتهاء الملح ساعة أخرى.

وبنظرة متفحصة للعام الحالي والأعوام السابقة، وجدت أن روتيني السنوي ثابت. ففي يناير يأتي عيد ميلادي، فيملئني الأمل والحماس وأبدأ في وضع خطة للعام، وتستمر الاحتفالات من رأس السنة لعيد ميلادي لأعياد ميلاد زوجي وولداي، حتى أجدني في منتصف مارس ويبدأ الانزلاق إلى بئر عميقة من الكآبة يدخلها إلى حياتي حساسية موسمية أعاني منها منذ كنت رضيعة. ومع الحساسية يأتي إحساس ثقيل في قلبي وفوضى في أفكاري. وكل عام أحاول محاربة حالة الفوضى تلك بالبدء في مشروع محوري في شهر مارس بالتحديد. بداية بزواجي، إلى تأسيس شركتي الخاصة، إلى إطلاق مجلتي الرقمية، إلى نشر أول كتبي. وكأنني أصر على البدء في المشاريع الكبيرة في خضم الفوضى لأشتت ذهني عن آلامي الجسدية. ومع المشاريع الشخصية العملاقة، تأتي ساعات من العمل الدؤوب وساعات من الصلاة والدعاء وجلسات التأمل الذاتي والخلوات، كل هذا حتى لا تتحول ذاتي إلى نسخة مجوفة واهية مما أطمح أن أكون عليه كإنسان.

نحن البشر كائنات مثيرة ... وكأننا قد احتوينا الكون بين جنباتنا. ومن الأمور التي طالما أثارت اهتمامي قدرة عقولنا على نسيان الأحداث المؤلمة والأمور التي قد تؤرق حياتنا – أو ربما تجاهلها. في نفس الوقت، كيف أننا لا نستطيع تجاوز أحداث مؤلمة بعينها، بل إن أجسادنا تحتفظ بذاكرة عجيبة فنشعر بنفس الألم الفعلي الذي شعرنا به من قبل. وكأن الفسيولوجيا تأبى الفرار من مصيدة الألم، حتى بعد أن يختفي. فللآن، عندما أدخل مستشفى أجدني أتطلع لمربعات السقف وأشعر بنفس التوتر في جسدي الذي شعرت به من قبل وأنا ممددة على سريري لا أرى سوى السقف ولا أشعر إلا بالبرد والخدر في أوصالي. وللآن أشعر بنفس الصراع الداخلي و "كسرة القلب" عندما يذكر اسم شخص بعينه.

لكنني وجدت للمواسم في حياتي فائدة عظيمة ... فهناك موسم لزرع البذور وموسم لحصد الثمار ... موسم للتخلص من الألم والحزن ... موسم "للطبطبة" على قلوبنا ... موسم للتركيز على أجسادنا ... وموسم لتضميد علاقاتنا. ووجدت أيضا أننا لا نستطيع الهرب من مشاعرنا السلبية، والطريقة الوحيدة للتخلص منها هي مواجهتها. فمن السهل أن نتحدث عن أهمية الانضباط والالتزام في حياتنا، لكن الأهم أن نفهم ذلك الشعور المظلم الذي يعترينا وتثاقلنا عندما يتوجب علينا ممارسة الرياضة مثلا، أو الانعكاف على العمل. أحيانا تكون رعايتنا وحنونا على أنفسنا أهم من مواعيد التسليم، ووجبة بسيطة المكونات أكثر فائدة من طعام معقد يملأ البيت بروائح صعب التخلص منها، وحوار هادئ في ضوء خافت أعمق من مشاحنة صاخبة، ودقائق من البكاء وحمام دافئ مع ملح الإبسوم أكثر فائدة من دفع الألم وأقوى في التواصل مع أنفسنا ومع مشاعرنا. والراحة والحنو على الذات لا يعنيان الضعف أو الانكسار، إنما السماح لأنفسنا بالتعافي.

دائما ما أتحدث عن الإيجابية وكيف يمكننا أن نعيش حياتنا مخلصين لأنفسنا الحقيقية، ودائما ما أركز على المباهج، لكنني لا أغضي الطرف عن مصاعب الحياة. فالعيش الهانئ لا يعني ألا نعاني الألم، بل أن نتقبله وأن نتعامل معه. العيش الهانئ لا يركز على الملذات، وإنما التركيز على اللحظة الحاضرة بتجربتها الخاصة التي تميزها عن لحظات مرت علينا في الماضي، أو لحظات نتخيلها في المستقبل.

لكن أحيانا، مهما ملأنا حياتنا بأكوام من الإيجابية، لا تمكننا لحظة منطق وعقلانية من إذابة جبال الألم والوحشة، لكن أبدا لم يخيب ظني العمل في اتجاه هدف محدد في إطلاق بعض الألم المحبوس داخل صدري والتعامل مع مرحلة – أو مراحل – الفوضى التي تأتي كعابر سبيل في حياتي. وإطلاق الألم لا يعني أن نؤذي من حولنا ... فالضرر لا ينتج عنه نفع أبدا. فالتحكم في أنفسنا يمنع كلماتنا المؤذية من الانطلاق كطلقات نارية تقتل الروح في أحبائنا. فمما لاحظته، الإنسان العصبي إنسان يملأه الغضب، ويفتقر لمهارات التعامل مع الألم، الذي ربما يجهل أنه يملأ قلبه.

لقد تعلمت أن أمنح نفسي مهلة للتعافي والراحة، والتعامل مع فوضى القلب التي قد تتسلل لكل ركن من أركان حياتنا. فالله يشفي جراحنا ويمنحنا القدرة على الشفاء وأعطانا ما نحتاج إليه والذي ربما يكون أمرا بسيطا كفنجان قهوة تصافح رائحته الثرية أرواحنا، أو مقطوعة موسيقية بأنغام ملائكية تعانق أرواحنا، أو صورة فوتوغرافية لحبيب فارقنا يبتسم لنا وتنطق عينيه بكل الحب الذي غمرنا من قبل. لقد تعلمت أن أحتضن حزني وأعانق ألمي.

لكنني أيضا أرحب بالمرح، وأسعد بالعمل، وأهنا بلحظات صدق مع من أحب. أفهم جيدا أنه لا يوجد حياة مثالية، وأننا سادة اختياراتنا. وربما كانت حياتنا ممتعة حقا لأنها ليست مثالية. ربما نحتاج بعض الفوضى من آن لآخر.

Popular Posts