الشعور بالذنب


 أؤمن تماما أن أي شعور سلبي نشعر به ما هو إلا رسول لنا لنعلم ما لم نعلم ونفكر فيما لم نفكر فيه من قبل. المشاعر السيئة أو السلبية من خوف وغيرة وحقد وملل وخيبة أمل وغضب وغيرها، لها دور في حياتنا لا يقل أهمية عن الفرح والسعادة والاطمئنان والحب والفخر والثقة. المشكلة الحقيقية في المشاعر أو العواطف السلبية هي أننا لا نجيد التعامل معها.

تحدثت عن وجهة نظري تلك عن المشاعر السلبية لصديقتي والتي خالفتني الرأي فيما يخص الشعور بالذنب. بالنسبة لصديقتي، الشعور بالذنب هو شعور عديم الفائدة. وأنا أوافقها في أن الشهور بالذنب يمكن أن يستهلك طاقتنا النفسية تماما، لكنني لا أظن أنه شعور عديم الفائدة. دفعني هذا الحوار القصير في البحث أكثر وأكثر عن الشعور بالذنب.

والشعور بالذنب لا يأتي وحده ... بل يأتي معه فريق كامل من العواطف الداكنة كالخزي والحسرة والألم والندم. ومما أثار دهشتي بحث عثرت عليه يربط الشعور بالذنب بمركز المكافأة بأدمغتنا. ومهمة مركز المكافأة هي أن يمنحنا شعورا دائما بالسعادة والنشوى، وعندما نشعر بالذنب، يهرع مركز المكافأة في صراع محموم مع النفس والمنطق إلى دفعنا لمكافأة أنفسنا بشكل عجيب بتناول كل ما هو غير صحي، أو الانخراط لساعات في أعمال لا تفيد. للأسف احساسنا الدنب قد يدفعنا أيضا للإحباط ومن ثم فقدان الأمل في إصلاح أنفسنا ولإصلاح حياتنا.

 أنا أيضا أؤمن أنه يمكننا استغلال مشاعرنا السلبية لنحسن من حياتنا ونطور من أنفسنا. فكل عاطفة سلبية شعرت بها دفعتني لأسأل نفسي كيف سيساعدني هذا الشعور في خدمة من أحب؟ كيف سيساعدني في الظهور للعالم بعد المحنة أو الكبوة بشكل أفضل؟ كيف سأتغلب على هذا العائق وأتخطى العقبة؟ كيف سأنهض من هذه العثرة؟

منذ سنوات أصيب ابني بجرح وهو يلعب في النادي الاجتماعي القريب من منزلنا والذي كان يرتاده بعد انتهاء المدرسة هو وأخوه إلى حين عودتي من عملي. في ذلك الوقت حاولت موظفة النادي الاتصال بي على هاتفي المحمول، لكنني كنت في اجتماع. من حسن الحظ أن زوجي كان قد انتهي من عمله وفي طريق العودة للمنزل، فتلقى الاتصال وهرع إلى المستشفى وتبعته أنا لاحقا.

وبالطبع شعرت بالذنب لأنني لم أكن متاحة عندما أصيب ابني، لكن زوجي أخبرني عن إحصائية مفادها أن أكثر من 70% من الحوادث التي تحدث للأطفال تكون في وجود أحد الأبوين، وأن ما حدث ليس لي به دخل بشكل مباشر. وهذه هي القاعدة التي أتبعها، فأنا لن أستطيع أن أكون متاحة للجميع على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع ... لا لأولادي ولا لزوجي ولا لفريق العمل الذي أعمل معه ولا لأي شخص آخر. ولكن للأسف يظن الكثيرون في دوائرنا الاجتماعية أنه يجب أن نكون متاحين لهم أنى شاءوا سواء عبر البريد الإلكتروني أو الواتس آب أو الهاتف.

ومن الأمور التي قد تصيب البعض بذلك الإحساس البغيض بالذنب هو السفر والعيش بعيدا عن أسرنا، والذي لمسته من كل أصدقائي ومعارفي المهاجرين أو المسافرين للعمل في مختلف البقاع. ولا أستطيع أن أنكر أنه كانت تعتريني لحظات أشكك في قراراتي لأنها أبعدتني عن عائلتي، لكن اقتناعي بأن الحياة تتطلب منا اتخاذ القرارات التي تناسبنا وتناسب أسرتنا الصغيرة، وأن آباءنا وأمهاتنا قد واجهتهم مواقف مشابهة واختاروا الأنسب لهم في حينها، وكثيرا ما تفرقنا وتلهينا مشاغل الحياة ونحن متواجدون في نفس البلد. والحياة ببساطة تفصل الناس بطريقة أو بأخرى. لكن احساسي بالذنب دفعني أنا وزوجي لاتخاذ بعض الخطوات لنكون على اتصال دائم بمن نحبهم لكن تفصلنا المسافات، فلقد اصطحبنا أبي وأمي وحماي كثيرا في رحلات و"خروجات"، وكنا حريصين على رؤيتهم كل ستة أشهر وكنا دائمي الاتصال بهم عبر كل قنوات الاتصال المتاحة. وحدث عدة مرات أن مرض أبي، وبدون تفكير كنت أسافر له فيجدني معه وحتى أنفساه الأخيرة لفظها وأنا إلى جواره ممسكة بيده ملقنة إياه الشهادة. في عصر ثورة الاتصالات والمواصلات، تلاشت الحدود الزمنية والمكانية وعلينا اغتنام ذلك.

لكن من المواقف التي لا تستدعي الشعور بالذنب والتي عهدت الكثير من الأمهات يحملن أنفسهن ما لا يطيقونه حيالها هو الاهتمام بالذات. لماذا نشعر نحن الأمهات بالذنب عندما نقوم بفعل جيد لأنفسنا؟ أنت مهمة، ومن حقك الاستراحة، وشراء شيء لطيف لنفسك، وقضاء وقت مع الأصدقاء، أو الترفيه عن نفسك بأية طريقة تحبينها. فلماذا إذا نشعر بالذنب إن اهتممنا بأنفسنا أو حتى دللنا أنفسنا. والسؤال هنا هو، لماذا أحيانا ننكر ذلك على الأمهات الأخريات، فنخلق ثقافة تتعامل مع حفاظ الإنسان على صحته الجسدية وسلامته النفسية على أنها رفاهية لا لزوم لها، او الأسوأ أنانية يعاقب عليها.

الشعور بالذنب يمكن من أعظم العواطف التي قد نشعر بها - فقط - عندما يقودنا إلى اتخاذ قرارات عظيمة الفائدة لأنفسنا ولأحبائنا، لذلك عندما أفرط في شيء ويعتريني الشعور بالذنب أفكر كمستشارة إدارة الجودة الشاملة كيف يمكنني أن أصحح الخطأ، وكيف أتجنب وقوعه في المستقبل. فمثلا إذا كنت تشعر بالتقصير في حق أسرتك نتيجة لضغوط العمل التي تواجهها، قد يدفعك الشعور بالذنب هذا إلى إيجاد الوقت الذي تقضيه بالقرب منهم حتى وإن كان قصيرا. ولربما تجد السبل أن يكون هذا الوقت القصير مفعم بالحب والمرح فترسخ في ذاكرتهم هذه الأوقات كأسعد أوقات حياتهم.


Popular Posts