حوّل أهدافك لعادات
بناء عادات جديدة ليس بالأمر السهل، والتخلص من العادات القديمة المتأصلة فينا قد يبدو مستحيلات. واليوم، ونحن نبدأ عاما جديدا بعد أن ودعنا عاما قد مضى بكل ما فيه ومما له ومما عليه، يتحدث الجميع عن قرارات السنة الجديدة والعادات الجديدة، وتلهج الألسنة بالدعاء للخالق أن يجعله عاما سعيدا على الجميع. لكنني أؤمن أننا يمكننا البدء في أي يوم من العام، لكن هذا لا يمنع أن نستغل الشعور الغامر الذي يعترينا جميعا لنعقد النية للعام.
ومنذ أن كنت في الثانية أو الثالثة عشر من العمر، أخذت على عاتقي مهمة التخطيط لمستقبلي، وساعدني في ذلك طبيعتي المحبة للتخطيط والتنظيم. وعلى مدار الأعوام، توصلت للخلطة السحرية التي مكنتني من تحقيق كل أهدافي، عاما تلو الآخر. تعلمت أن السر في تحقيق أي هدف، صغر أم كبر، هو تحويل هذا العدف لعادة. وهذا ما أريد أن أتحدث اليكم اليوم عنه.
قبل أن تهرع/ي وتشتري/ين الملابس الرياضية، وتسدد/ين اشتراك النادي الرياضي أو الجيم الذي لم تدخله/ينه في العام الماضي سوى أربع مرات، اسأل/ي نفسك: "كيف سأبني عادة ممارسة الرياضة هذا العام؟" فكما قال ستيفن جيز في كتابه "عادات صغيرة": "النوايا الكبيرة لا قيمة لها إذا لم تؤد إلى نتائج. على سبيل المثال، أستطيع أن أقول إنني سوف أمارس الرياضة لمدة ساعتين كل يوم، ولكن إذا لم أفعل ذلك مطلقًا، فإن حجم النية لا يهم. في الواقع، النية بدون فعل تضر بالثقة بالنفس ". هنا أشارككم عملية بسيطة من خمس خطوات لطالما استخدمتها في تحويل أهدافي لعادات، وبناء هذه العادات وتأصيلها.
1- حدد/ي أهدافك
في برنامج "التخطيط الشخصي" الذي نظمته لمتابعيني على قناة اليوتيوب والمجموعة الخاصة على الفيس بوك ، تحدثنا باستفاضة عن أننا نحتاج لبوصلة وخارطة طريق لنحدد الاتجاه الذي نريد حياتنا أن تتقدم تجاهه. وبنهاية البرنامج، تمكنا من تحديد قيمنا الشخصية وأعمدة حياتنا ثم أهدافنا لكل هذه الأعمدة أو الأولويات. كذلك تفكرنا كثيرا في هذه الأهداف، وتأكدنا أنها محددة وقابلة للقياس. هذه الأهداف هي ما سيملي علينا أفعالنا المستقبلية والتي سنحولها لعادات فيما بعد. فالهدف ما هو إلا الوجهة التي نود الوصول اليها، لكن العادات هي الخطوات الفعلية التي ستمكننا من الوصول. العادات أيضا تحتاج لنظام داعم حتى لا تكون فعل نقوم به عندما يملئنا الحماس، وعندما تخبو جذوته، تذهب العادات أدراج الرياح آخذة معها أهدافنا وأحلامنا.
2- قسم/ي أهدافك
التخطيط المسبق العكسي الذي تحدثنا عنه في برنامج "مهارات التنظيم وتنفيذ الخطط الشخصية" سيمكننا من تقسيم أهدافنا إلى مكوناتها الأصغر وتحديد نقطة البدء ومحطات طوال الطريق حتى الوصول للوجهة وتحقيق الهدف.
سيساعدنا التخطيط المسبق العكسي في تقسيم الهدف السنوي لأهداف شهرية أصغر، ثم أسبوعية، ثم يومية. وهذا التدرج في تقسيم الأهداف هو ما سيقودنا إلى تحديد عاداتنا اليومية الجديدة التي ستمكننا من تحقيق أهدافنا، إلى جانب تلك العادات التي سنستبدل بها عادات قديمة لم تخدمنا يوما، بل أضرت بنا.
3- ابن/ي روتينا يوميا (أو عدة روتينات)
بعد تقسيم كل أهدافنا إلى أجزاء أصغر حتى الوصول إلى القدر اليومي الواجب علينا فعله وتحقيقه، تأتي خطوة تجميع بعض هذه العادات في روتين واحد. عادة ما أوصي بروتينين يوميا: روتين صباحي وروتين مسائي. هكذا يبدو روتيني الصباحي:
1- شرب 4 أكواب من الماء فور الاستيقاظ من النوم.
2- ترتيب السرير وتهوية الغرفة
3- غسل أسناني – الوضوء أو الاستحمام – تبديل ملابس النوم
4- الصلاة وقراءة القرآن وجلسة تأمل (10 دقائق)
5- تناول القهوة أثناء قراءة كتاب
6- ممارسة اليوجا 15 دقيقة
7- تناول الإفطار وأخذ الفيتامينات وأية أدوية
8- مراجعة جدول اليوم وكتابة قائمة المهام اليومية
9- كتابة 500 كلمة على الأقل
أما روتيني المسائي الذي يبدأ في حدود الساعة السابعة مساءا:
1- الذهاب إلى الجيم أو المشي أو ممارسة التمارين الرياضية.
2- شرب 4 أكواب من الماء
3- تنظيف المنزل والمطبخ على عجالة
4- القراءة
5- تجهيز ملابس الغد
6- جلسة تأمل
7- مراجعة جدول الغد
ومع هذين الروتينين، هناك أعمال أسبوعية وجدول زمني يتعلق بكل أولوية من أولويات حياتي. وتجميع العادات معا على شكل روتين ساعدني في وضع نظام يضمن لي العمل الدؤوب على أهدافي. فمثلا، إذا كان هدفك الحصول على شهادة معينة، يمكنك جدولة ساعات المذاكرة في الوقت الذي يكون تركيزك في أعلى مستوياته، وجدولة الأعمال الأخرى في أوقات أخرى.
وقد رأيت أن تخصيص أوقات معينة من اليوم، أو أيام معينة في الأسبوع لمهام محددة يحميني مما يسميه العلماء "إرهاق القرارات". فيكفي أن أراجع جدولي اليومي لأعرف ما الذي يجب عليّ فعله الآن. قد يبدو الأمر صعبا أو معقدا في بادئ الأمر، لكن ما إن نشرع في تنفيذ الجدول اليومي الذي صممناه لأنفسنا، حتى يصبح التنفيذ تلقائيًا.
4- لا تقطع/ي التسلسل
تقويما بسيطا قد يكون هو كل ما نحتاجه لتتبع تنفيذ عاداتنا، وهذه الخطوة مهمة لضمان القيام بهذه العادات كل يوم. عندما نبدأ بعادة ما، من السهل جدًا نسيانها أو تجاهلها أو التكاسل عن تنفيذها. لكن ما أن نرسم في التقويم "علامة صح" عند فعلها فنكون قد بدأنا تسلسلا يمكننا متابعته كل يوم.
وعقد النية يوميا سيساعدنا على التنفيذ مع تحديد وقت ومكان التنفيذ وأية موارد أخرى قد نحتاجها. مثلا، أنا أقوم بالكتابة في نفس المكان وفي نفس التوقيت كل يوم، بينما أجلس في جلسات التأمل في مكان آخر وفي توقيت آخر ثابت في كل يوم.
5- كل يوم بداية جديدة
ماذا تفعل/ين إن تكاسلت عن تنفيذ عاداتك ليومين متتالين، أو ثلاثة، أو حتى خمسة أيام. لا تقلق/ي، اعتبر/ي اليوم الذي تذكرت فيه هو بداية جديدة لتسلسل جديد، وحاول ألا تقطع/ي هذا التسلسل. كثيرا من نحبط من أنفسنا، فنجد أنفسنا خائري العزيمة نلوم أنفسنا دون اتخاذ أية خطوات جادة للإصلاح. وقد تعلمت أنه بالإعلان بيني وبين نفسي عن بداية جديدة، يمكنني التقاط الخيط واستكمال ما بدأته من قبل. كذلك تعلمت أن المرونة أيضا تمكنني من استكمال التسلسل. فمثلا إن لم أقم بكتابة ما حددته لنفسي صباحا، فإنني أستغل أول فرصة مواتية في اليوم وأكتب ما يمكنني كتابته حتى ولو جملة من خمس كلمات، وبهذا لا أكون قد قطعت التسلسل حتى وإن لم ألتزم بالمقدار كاملا. كذلك عندما لا أتمكن من ممارسة الرياضة أو المشي لمدة ساعة يوميا، فإنني أبحث عن تمارين رياضية في 10 دقائق أو أقل وأمارسها في أي وقت من اليوم. هذه طريقة فعالة لتبقي نفسك على المسار الصحيح والتركيز على الإنجاز بدلا من الامتياز أو تحقيق الكمال.
وكما قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): "أحب الأعمال إلى الله، أدومها وإن قل"، أو كما قيل في الأثر: "قليل دائم خير من كثير متقطع". فالقليل المستمر يمكننا من النمو ومن بناء عادات جيدة ومفيدة تستمر معنا مدى الحياة.
النهج التقليدي لقرارات السنة الجديدة لا يصلح، والأهداف المجردة لا تصلح. ربما نلتزم ونجتهد لعدة أيام أو أسابيع، لكننا سنفشل حتما إن لم نخلق نظاما نرسخه يوما بعد يوم بتنفيذ عاداتنا اليومية. فحتى أنجح الكتّاب والفنانين والمبدعين الذين يعتبرون أنفسهم أرواحا طليقة تكره التقييد، التزموا بروتين ونظام مكنّهم من صنع أو كتابة روائعهم.
منذ سنوات وأنا في عطلة في كوبا، نظما أنا وزوجي رحلة سياحية لتتبع خطوات الكاتب الشهير المبدع أرنست هيمنجواي، واستمعنا لشرح المرشدة السياحية وهي تتحدث عن روتينه في الكتابة، ورأينا بأعيننا طاولته المفضلة في المطعم المفضل في المدينة الساحلية التي كان يمارس فيها هواية الصيد، ومكتبه في غرفته في الفندق الذي كان قد استأجرغرفة فيه كمكتب، ومكتبه في منزله والذي كان يجلس إليه كل يوم في نفس الوقت ليصب ابداعاته على الورق مع صوت ماكينة الكتابة. فتحويل أهدافنا لعادات يومية سيضمن لنا الوصول.
وأنا أؤمن بمبدأ التحسين المستمر، وعاداتنا اليومية ستمكننا من صقل مهاراتنا، ويصبح التحسين أمرا يسيرا.